بسم الله

 

متون علمية

كتاب الطهارة من عمدة الفقه

باب أحكام المياه

خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات، ولا تحصل الطهارة بمائع غيره، فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه، وماعدا ذلك ينجس بمخالطة النجاسة، والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي.(1)

وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور، وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه، أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته.

وإذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بني على اليقين، وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها، وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما، وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما، وان اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة.

وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب، ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية، وإن كانت على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها، لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء).(2)

ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضْح(3). وكذلك المذي، ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه، هو ما لا يفحش في النفس، ومني الآدمي، وبول ما يؤكل لحمه طاهر.


باب الآنية

لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).(4)

وحكم المضبَّبِ بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة.

ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها، واستعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها.

وصوف الميتة وشعرها طاهر. وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس.

وكذلك عظامها، وكل ميتة نجسة إلا الآدمي. وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: (والطهور ماؤه الحل ميتته).(5)

وما لا نفس له سائلة إذا لم يكن متولداً من النجاسات.


باب قضاء الحاجة

يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول:( بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث)(6)، و(من الرجس النجس، الشيطان الرجيم)(7)، وإذا خرج قال: (غفرانك)(8)، (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)(9). ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج، ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة.

ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى، وإن كان في الفضاء أبعد واستتر، وارتاد لبوله موضعاً رخواً، ولا يبولن في ثقب ولا شق، ولا طريق ولا ظل نافع، ولا تحت شجرة مثمرة، ولا يستقبل شمساً ولا قمراً، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروه)(10). ويجوز ذلك في البنيان، فإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً، ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بها، ثم يستجمر وتراً، ثم يستنجي بالماء، وإن اقتصر على الاستجمار أجزأه، إذا لم تتعد الخارج موضع العادة، ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية، ويجوز الاستجمار بكل طاهر إلا الروث والعظام، وما له حرمة.


باب الوضوء

لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)(11). ثم يقول: بسم الله(12). ويغسل كفيه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينها بغرفة أو ثلاث، ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين وإلى أصول الأذنين، ويخلل لحيته إن كانت كثيفة، وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ويدخلهما في الغسل، ثم يمسح رأسه مع الأذنين، يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ويدخلهما في الغسل، ويخلل أصابعهما، ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول:( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله)(13). والواجب من ذلك النية، والغسل مرة مرة ما خلا الكفين. ومسح الرأس كله.

وترتيب الوضوء على ما ذكرنا، ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله.

والمسنون التسمية، وغسل الكفين، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً، وتخليل اللحية، والأصابع ومسح الأذنين. وغسل الميامن قبل المياسر، والغسل ثلاثاً ثلاثاً، وتكره الزيادة عليها، والإسراف في الماء.

ويسن السواك عند تغير الفم والقيام من النوم، وعند الصلاة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)(14). ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال.


باب مسح الخفين

يجوز المسح على الخفين، وما أشبههما من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين، والجراميق(15) التي تجاوز الكعبين في الطهارة الصغرى يوماً وليلة للمقيم، وثلاثاً للمسافر، من الحدث إلى مثله. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة)(16). ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبله بطلت طهارته. ومن مسح مسافراً ثم أقام أو مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم.

ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة(17)، ساترة لجميع الرأس، إلا ما جرت العادة بكشفه. ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة. ويجوز المسح على الجبيرة إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها، والرجل والمرأة في ذلك سواء، إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة.


باب نواقض الوضوء

وهي سبعة: الخارج من السبيلين، والخارج النجس من غيرهما إذا فحش، وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً، ولمس الذكر بيده، ولمس امرأة بشهوة. والردة عن الإسلام، وأكل لحم الإبل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال:( نعم توضئوا منه). قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوض)(18).

ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فهو على ما تيقن منهما.


باب الغسل من الجنابة

والموجب له: خروج المني وهو الماء الدافق، والتقاء الختانين.

والواجب فيه النية، وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق.

وتسن التسمية، ويدلك بدنه بيديه، ويفعل كما روت ميمونة قالت: (سترت النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم ضرب بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على بدنه، ثم تنحى فغسل رجليه)(19).

ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روي أصوله.

وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما، وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها، وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى.


باب التيمم

وصفته: أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: (إنما كان يكفيك هكذ)(20). وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه. وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز.

وله شروط أربعة:

أحدها: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه، أو خوف الضرر باستعماله لمرض أو برد شديد، أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه، أو إعوازه إلا بثمن كثير، فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه، أو وجد ماء لا يكفيه، لطهارته استعمله وتيمم للباقي.

والثاني: دخول الوقت، فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها، ولا لنافلة في وقت النهي عنها.

الثالث: النية، فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً، وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها.

الرابع: التراب، فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار.

ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء، وخروج الوقت، والقدرة على استعمال الماء، وإن كان في الصلاة.


باب الحيض

ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها، وفعل الصيام، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، واللبث في المسجد، والوطء في الفرج، وسنة الطلاق، والاعتداد بالأشهر.

ويوجب الغسل، والبلوغ، والاعتداد به، فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم، والطلاق، ولم يبح سائرها حتى تغتسل. ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شئ غير النكاح)(21).

وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، ولا حد لأكثره، وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين، وأكثره ستون.

والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست، فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض، وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض، فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة، وإن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة، وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض. وتغسل فرجها وتعصبه، ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي، وكذا حكم من به سلس البول وما في معناه. فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر، فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها، وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخيناً وبعضه أحمر رقيقاً - فحيضها زمن الأسود الثخين.

وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة؛ لأنه غالب عادات النساء.

والحامل لا تحيض، إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس.


باب النفاس

وهو الدم الخارج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به. وأكثره أربعون يوماً ولا حد لأقله، ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة، وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضاً.


 

(1) القلتان: واحدتها قلة، سميت بذلك، لأن الرجل العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها، وتقدر حاليا بحوالي 195.112 كلغ. انظر: المطلع ص8، والفقه الإسلامي وأدلته 1/122
(2) أخرجه البخاري (219) ومسلم (284) ، من حديث أنس بن مالك.
(3) النضح: الرش. انظر: القاموس المحيط: (نضح).
(4) أخرجه البخاري (5426) ، ومسلم (2067)، من حديث حذيفة بن اليمان.
(5) أخرجه أبو داود (83)، والترمذي(7)، والنسائي (333)، وابن ماجه (386)، من حديث أبي هريرة
(6) أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375)، من حديث أنس بن مالك مرفوعا، بلفظ (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) والخبث إناث الشياطين، والخبائث ذكرانهم.
(7) أخرجه ابن ماجه (299)، من حديث أبي أمامة مرفوعا، بلفظ (لا يعجز أحدكم إن دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم). قال في الزوائد: إسناده ضعيف.
(8) أخرجه أبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300)، من حديث عائشة. قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
(9) أخرجه ابن ماجه (301)، من حديث أنس بن مالك. قال في الزوائد: الحديث بهذا اللفظ غير ثابت.
(10) أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264)، من حديث
(11) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907)، من حديث عمر بن الخطاب.
(12) لحديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أخرجه الترمذي (25)، وابن ماجه (398)، من حديث سعيد بن زيد. قال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لاأعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد.
(13) أخرجه مسلم (234)، من حديث عقبة بن عامر الجهني.
(14) أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252)، من حديث أبي هريرة.
(15) الجراميق: جمع جرمق، وهو ما يلبس فوق الخف. انظر: القاموس المحيط: (جرمق)، والمصباح المنير: (جرم).
(16) أخرجه مسلم (276)، من حديث علي ين أبي طالب.
(17) الذؤابة: طرف العمامة. انظر: المصباح المنير: (ذاب).
(18) أخرجه مسلم (360)، من حديث جابر بن سمرة.
(19) أخرجه البخاري (281)، ومسلم (317).
(20) أخرجه البخاري (347)، ومسلم (368).
(21) أخرجه مسلم (302)، من حديث أنس بن مالك.

 

 

 

 

 

 

 

البحث في دليل المواقع الإسلامية

الكلمة: